لا تستطيع اللغة أحياناً أن تحيط بكل جوانب المشاعر,ولاتقدرالكلمات في بعض المواقف أن تجسد حقيقة الشعور الذي يتفاعل في أعماق الوجدان..
وهذا ما نلمسه الآن, ونحن نحاول صياغة عمق الأحاسيس التي تتفجر في ضمائرنا00
نحاول أن نترجم نبض قلوبنا إلى كلمات,ونريد تسجيل خواطرنا تجاه هذا الشاعر النبيل,ولكن الكلمات تقف عاجزة عن هذه المهمة, لأن خفقات القلب أعمق واصدق من كل الكلمات,و أنقى من جميع الحروف00
ولنبداء هذه الرحلة بهذه الأبيات الرائعة00
شوخ وشنكى زهره نكى دل ز من بر دل ز من
آورين هيبت بلنكى دل ز من برد ل ز من
وى شبا لى مسك خا لى ديم در وكردن شما لى
جبهتا بسكان سما لى دل ز من بر دل ز من
زلف وخالان نون و دالان وان ز من دل بر بتالان
كوشة قوس هلالان دل ز من بر دل ز من
ولأكن أعرب عن اسفى لشى واحد هو أن حياة الملاوسيرته غا مضة منسية فلا نعلم بالضبط كيف نشأ وكيف درس وكيف تعلم
وهذه نبذة عن حياته مستنداً إلى بعض المراجع القيمة 0
اسمه الشيخ احمد ولقبه المشهور (الملا الجزري) نسبةالى جزيرة ابن عمر الواقعة على سا حل نهر الدجلة (آفا مزن)
قرب الجبل الجودى الشهيرة (جزيرا بوتان)وله لقب آخر (نشا نى ) أما نسبة إلى معناه الهدف بدعوى انه كان هدفا لسها م
المحبة والهوى
(أما اسم والده )فقد نفل عن الأستاذ الأديب علاء الدين السجادى في كتا به (ميزوى ادبى كوردي) اى تاريخ الأدب الكردي
في ترجمة الملا عن نسخة من ديوانه كتبها عبد القادر بن على العمادى في سنة 1338هجرية
أن اسم والده(الشيخ محمد) وهكذة نفل انه ولد في جزيرا بوتان وهو من عشيرة الختية الكردية ومن بيت علم ومشيخة ومن عائلة كبيرة ولا يبعد أن يكون هذا صحيحاَ0
ويقول عنه العلامة( محمد أمين زكى بك)في كتا به القيم< خلاصة تاريخ الكرد والكردستان>
اسمه (الشيخ أحمد)وبلده الذي ولد فيه هو جزيرة ابن عمر(جزيرابوتا)
ويقول انه عاش في النصف الأخير من القرن السادس الهجري ويغلب الظن انه كان في عهد (عماد الدين زنكي)اتابك الموصل الشهير0
وقد ترك ديوانا لإخلافه ولغته اى لهجته لاتخالف كثيرا اللغة السائدة اليوم منطقة( البوتان)
وقد طبع هذا الديوان في برلين سنة(1904م-1322ه)
وتوجد نسخة منه في مكتبة الأب انسطاسى في بغداد فا شعاره من ناحية الصنعة ذات أسلوب خا ص ومن ناحية الموضوع في أقصى مراتب العشق والهيام
والظاهر إن هذا الشاعر العظيم هام بحب أميرة كوردية وأمضى حياته المكتنفة باليأس والآلام,بعمل قصائد الحب العذري ونشا ئد العشق المثالى0
لقد اختلف المؤرخون في تأريخ حيا ته والعصر الذي عاش فيه وذكر كل منهم رأيا استند فيه إلى استنتاج غير سديد على ما يظهر من كلامه في قصائده
ومن أزمنة الوقائع و الحوادث التي اشاراليها في كلامه ومن تواريخ الرجال الذين ذكر اسما ئهم وقد استوفى هذا الموضوع غا ية الاستيفاء الأديب السجادى في كتا به (ميزوى ادبى كوردي)اى تاريخ الأدب الكردى0
- ويقول الدكتور<بليج شركوه> في رسا لته(القضية الكردية )
أن اسم الملا الجزري هو (شيخ احمد)وهو من أهل (جزيرا بوتان)اى جزيرة ابن عمر وقد توفى بها سنة-1160-ميلادية0
كما يقول المستشرق الروسي (أوكست يا با)في كتا به <بحث عن الأكراد>أن الملاالجزرى هومن أهل جزيرة بوتان وكان حيا في سنة
540-556الهجرية في زمن عماد الدين زنكى0
وأما المستشرق الالمانى (فون ها تمان)الذي طبع ديوان الملا في برلين سنة1904ميلادية ووضع له مقدمة با للغة الالما نية ورسم للملا صورة خيا ليه
فيظهر انه مقتنع ايضاًًًً بهذه أقوال السا بقة 0
ويقول المفتى الزفنكى(رحمه الله)في كتا به القيم <العقد الجوهري> ثم أسهب (السجادى)في مقارنة بين هذه الأقوال وقا بلها بالوقائع ألتاريخية
واستشهد ببعض أبيات ملا ثم قال السجادى بعدما أطال في ذلك إلى هنا بينت لكم حياة الملا على ما ذكرها جماعة من الكتاب ولكنى من هنا سأذكر
شيئا جديداً عن حيا ته حصلت عليه بعد جهد طويل وسعى متواصل وذلك بمعونة نسخة من ديوان كتبها (عبد القادر بن على المعادى)في
سنة 1338هجرية,وهوان الملا على ما قيل
أسمه الشيخ احمد أبن الشيخ محمد و قد ولد ببلدة جزيرة أبن عمرفى سنة1407ميلادية الموافقة لسنة827هجرية0
وهو من عشيرة البختية وقد درس على يد والده الشيخ محمد وبعد مدة طاف في إنحاء ديا بكر(آمد)والجزيرةوالهكارى والعمادية لتحصيل العلوم وكان ذكياً فهيماً
في تحصيله وذا صيت حسن وأخلاق حميدة0
وقد أخذ أجازته العلمية0 في قرية (سترا باس)من القرى تابعة ل(آمد)من عالم اسمه <ملا طه> وتوظف إماماً في قرية(سربا) وسكن بعد ذلك مدةً في بلدة
(حصن كيفا)0
وأجاز عدداً كبيراً من العلماء ثم بعد مدة حدث له عشق تصوفي فترك الاشتغال بالعلم الظاهري واتى إلى بلدته الجزيرة وبقي بها إلى سنة /1481/ إلى أن توفى بها بعد عمر يناهز- 75- سنةً وألي ألآن فأن ضريحه هو مزار لأهل القلوب التي شويت بنار الهوى0
وبعد ذلك سرد السجادى بعض قصائده الغرامية وشرحها وأفاض في مدحه وبيان نفسيته الصوفية بما لا مزيد عليه هذا
ويقول الزفنكى أما إنا فا ني غير مقتنع بهذه الآراء كلها لأنها لاستند إلى أدلة ثا بته يمكن اعتماد عليها(نعم أنى أوفق رأى المرحوم المفتى الزفنكى ليست هناك أدلة ثابتة ومؤ سوقة)0
دعونا نرى ماذا يقول المرحوم الزنفكى في كتابه القيم <العقد الجوهري> يقول:بل لي رأى خاص أرجو أن يكون هو الصحيح المطابق للواقع لكوني استنتجته من الإشارات والوقائع التي ذكرها (الملا)في قصائده ومن اسماءالاشخاص الذين ورد ذكرهم فيها وهذا أقوى دليل في ذلك فابدأ اولا ًببيان العبارات الواردة في كلامه والأسماء المذكورة فيه التي يظهر منها فساد تلك الآراء التي ذكرها المؤرخون ثم أبدى ثانياً رأى الذي اجزم به و هو أن إنشاء الله فيقول أن الملا رحمه الله قد أشار في قصيدته التي أولها:
(زرعنا نير كزين تى مست خون ريز
زمان بو عهد جنك انكيز جنكيز )
اى إلى الحروب التي أثارها الطاغية جنكيزخان التتارى على البلاد الإسلامية ومن معلوم أن جنكيزخان قد مات في سنة -624-هجرية0
وهكذا قال في قصدته من حرف الفاء التي أولها :
(ايرو زشهكاسا سرى مى هاته فنجانا صدف)
في البيت الثامن منها (جنكيز هات تيمورلنك)
فيدل هذا على أن الملا هو بعد تيمورلنك الذي مات ايضاً في سنة -807-وهكذا أنه قد مزج قصيدته التي هي أول قصيدة في نسخة الجزيرة من
ديوانه الذي أولها:
(نو ايا مطرب و جنكى فغان آفيته خرجنكى)
بأول قصيدة في ديوان الحافظ الشيرازي الذي أولها:
(الا يا أيها الساقى ادر كأساً وناولها)
وذكر ذلك في قوله في آخرها:
(ز حافظ قطب شيرازي ملا أر فهم بكى ر ازى)
وهكذا قال في آخر قصيدته من حرف التاء التي أولها :
(محبوب بدل بت مه بأفراز جة حاجت )
قال:
( كر لؤلوى منثور زنظمى تو دخوازى در شعر ملى بين ته بشيراز جه حاجت )
فيدل ذلك على انه بعد (الحافظ الشيرازي) رحمه الله الذي توفى على ماذكره المولى الجامى في كتابه (النفحات) في سنة -792-هجرية وهكذا ذكر اسم (الشيخ سعدي الشيرازي) الذي توفى سنة -691- هجرية واسم المولى الجامى في تلك القصيدة المزوجة في قوله (زرنكى سعدي و جامى) فيدل هذا ايضاً على انه بعدهما ايضاً0
ويكمل حديثه بقول: بان هذه القصائد التي ذكرت فيها هذه الوقائع وأسماء هؤلاء الرجال ليست من كلام ملا بعيد كل البعد كل من تتبع قصائد الملا ومقارنتها مع قصائد الحافظ الشيرازي و قصائد الفاضل الجامى يراه قد اخذ كثيراً من معا ني هذه القصائد ومشى على منهاجها كما اشرنا إلى ذلك في مواضع من شرحنا هذا0
فلاشك أن الملا وقف على هذه القصائد واقتبس منها معانيه في أشعاره فلا بد انه بعدهما قطعاً وهكذا إن آخر قصيدة في ديوانه من النسخة الجزرية وهى القصيدة العربية
التي أولها : )يا رامي قلبي بسهام اللحظات هيهات نجاتي )0
قد أخذها تقريباً من الفاضل احمد باشا المتوفى في سنة-902-هجرية وهو من علماء الدولة العثمانية كما نقلنا ذلك تفصيلاً في الشرح عند الكلام على تلك القصيدة فلا بد أن الملا بعده ودعوى توارد الخاطر ين على تلك القصيدة بعيدة جداً فظهر من هذا أن المستشرق الروسي (أوكست يابا) انه كان حياً في سنة -540-556- في عهد
(عما الدين زنكي) حاكم الموصل وهكذا ما ذكره الوزير <محمدامين زكى بك>في كتابه تاريخ كرد وكردستان من انه كان في النصف الثاني من القرن السادس الهجري
وانه كان معاصراً لعماالدين زنكي وانه أرسل نسخة من ديوانه هدية إلى حاكم تبريز (خان خانان) الذي كان في ذلك العصر ايضاً لايمث شيء منه إلى الحقيقة اصلاً وكأن قضية (عمادالدين زنكي)
قد سرت إلى هؤلاء من المساجلة الشعرية الموجودة في بعض نسخ الديوان بين(الجزري) والأمير(عمادالدين) فظنوا أن الاميرعمادالدين هوحاكم الموصل المذكور مع إننا رأينا في بعض النسخ التي فيها هذه المساجلة وصف الأمير(زنكي) بالجزري ومن المعلوم أن (عمادالدين زنكي) هو ابن آقسنقر من اتابكية الموصل وليس و ليس من أهل الجزيرة 0
وكذلك قضية(خان خانا )حاكم تبريز قد سرت من القصيدة التي أولها
خان خانان لامع نجماته هر بر نور بى)
فظنوا أن هذه القصيدة خطاب له ومدح فيه مع انه قد ذكر فيها عدة أبيات تدل على أنها خطاب لبعض أمراء جزيرا بوتان وله بعض هذه الأبيات:
( آية الكرسي و إنعام هيكلا توخ ته بن ) وكذلك قوله (سوره ام الكتاب ما دار حضرت سور بى )
فان هذين البيتين إشارة إلى آية الكرسي وسورة الأنعام وسورة الفاتحة0
أن هذه الآيات الكريمة قد كتبت على سور بلدة الجزيرة وهذا معلوم ومشاهد على حجارة سورها القديم إذ إن من المشهور المستفيض في بلدة الجزيرة
أن القرآن الكريم أوبعض سوره كان مكتوباً حول سورها الذي أنهدم الآن ولم يبق منه إلا بعض إطلال وهذا قوله فيها
(ما جزيرى شبه دار تخت هفت اقليم بت ) (اى شهنشاه معظم حق نكهدار ته بى )
هي ايضاً خطاب لذلك الأمير ومدح له لأنه يقول
(سوره انا فتحنا دورو ما دار ته بى )
وهذا ايضاً إشارة إلى ما ذكرنا من كتابة القرآن الكريم على سور الجزيرة وكذلك قوله فيها
( كرجه در إقليم رابع هاته تخت سلطنت)
وهذا البيت يدل على أن بلدة الجزيرة تقع في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة على حسب التقسيمات القديمة 0
فظهر من هذا ,أن القول بان ها تين القصيدتين هما خطاب لحاكم تبريز (خان خانان) وانه كان في عهده لا أصل له وكأن هذا سرى من قوله
( ته تنى تبريز و كردستان لبر حكمى ته بن صد و كي شاه خراسانى دفر وار ته بى )0
وهذا لا يدل على أن هذا الخطاب هو مع حاكم تبريز بل هو من باب المبالغة في مدح أميره الجز يرى لا يخفى هذا0
وهذا ما نقله السجادى عن النسخة التي كتبها عبدالقادرالعمادى من انه ولد عام _1407_م وتوفى بعد عمر يناهز -75-عاماً اى حول عام -900-هجرية
بعيد البعد لنسبة ما ذكره الجامى 0
ويقول المفتى <الزفنكى> رحمه الله في كتابه القيم <العقد الجوهري>
انه قد عاش في أواخر القرن العاشر الهجري اى بعد التسعماةوخمسين من التأريخ الهجري وكان معاصراً للأمير(شرف خان ابن إبدال)من أمراء<آزيزان>الذين حكموا مقاطعة جزيرة بوتان حقبة طويلة من الزمن 0
و الأمير<شرف خان > هو الذي بنى المدرسة الحمراء/دبستانا صور/ بالجزيرة وعلى ما يبدو من هيئة بناء المدرسة والتنظيم البديع الرائع الذي نظمت به غرف الطلاب والمدرسين أنها كانت تضم عدداً كبيراً من طلبة الدأبين وأساتذة مهرة يدرسون كافة العلوم والفنون ويعشون عيشة راضية في تلك المدرسة التي كانت ليلية يأكل الطلاب ويشربون و ينامون على حسابها وكانت هذه المدارس مجانية 0
وهذا ألأمير<شرف خان> كان حيا في سنة 1005م على ماذكر في كتاب (شرفنامة) لشرف خان البدليسى وكان الأمير شرف خان قد بنى هذه المدرسة من ماله الخاص في أوائل إمارته 0
ومن أقوى احتمالات أن الملا الجزيرى كان من مدرسي تلك المدرسة وكان مثل غيره من غالب علماء الأكراد متفانياً في محبة المحبوب الحقيقي ,ينظم قصائد غرامية في العشق الحقيقي وكان ذا قدم راسخ في سائر العلوم التي كانت تدرس في تلك الأزمنة الزاهرة متضلعاً منها فقه ونحو وفلسفة وحساب وتنجيم وغير ذلك
يدل على ذلك ما ذكره في بعض قصائده من مباحث تلك العلوم ويظهر انه أمضى حياته في تلك المدرسة مدرساً في العلم الظاهري ومعلمً في العلم الباطني
وبعد وفاته دفن بها في قبو تحت مستوى الأرض بجنوب المدرسة ملاصقاً لجدارها ينزل أليه من فجوة في سقفه داخل مسجد المدرسة وقبره مشهور ومعروف 0
وفى الختام أقول أن الجزري يستحق أن يبحث عن شخصيته وينقب عن نتاجه ويحتاج هذا الأمر إلى دراسات منهجية ونقدية وتاريخية لابرازمعالم هذه الشخصية
الفذة العملاقة ولإخراج دفائنها وذخائرها الباطنية إلى ساحة الثقافة والأدب والعلم والإبداع الحضارى0
اعترف, بعد كل الجهد الذي بذله جميع الكتاب والمؤرخين لم يقدموا سوى جزء بسيط جداً من حياة وعبقرية هذا ألشاعر الجليل لان سيرته الذاتية غامضة0
لأكن إشعاره قضت على هذا الغموض وجعله قمرً يضئ ليل كوردستان وشمسً يشرق فوق الجبال الشامخة وماءً يروى ظمئ العشاق0000